مجتمع

صناعة الخناجر التقليدية .. مهنة تتوارثها الأجيال بالمغرب

في زاوية فسيحة داخل المقر المؤقت لتعاونية (جمعية) أزلاك للخناجر بقلعة مكونة المغربية، يجلس الصانع الحسين آيت حسو محاطا بأدواته، ومنغمسا في إتمام صناعة خنجر يطلق عليه محليا “الخابوس”، بناء على طلب زبون من مدينة أخرى طلب منه بين ثلاثين وأربعين خنجرا من الحجم المتوسط.

وكانت للخنجر قديما قيمة كبيرة في الحياة اليومية، ويستعمل في المناسبات كالأعراس والأعياد الدينية والوطنية، وأيضا في الدفاع عن النفس في غياب النظام والأمن، لكن مع التطور الذي عرفته الحياة أصبح الآن يستعمل في الزينة، ويقدم في الهدايا كعربون محبة وتقدير للضيف؛ مما يعكس قيمة هذا الموروث الثقافي.

ويحمل الخنجر العديد من الدلالات، خاصة في النقوش التي توجد فيه، ويوحي كل نقش من النقوش التي يحتويها بمعنى معين عند سكان قلعة “مكونة” ومنطقة حوض دادس عامة، ويجمع بين عدة رموز مستوحاة من المحيط الذي تصنع فيه.

من جيل إلى جيل

تعلم محمد آيت سعيد صناعة الخناجر من والده منذ الصغر، وحمل على عاتقه منذ وفاة والده -رحمه الله- حماية صناعة الخنجر التقليدي من الزوال، باعتباره مورثا مهما بقلعة مكونة، التي تعد من أشهر منطقة بالمغرب في صناعة الخناجر.

وقال محمد -الذي ينحدر من دوار “أزلاك”، الذي يعرف بتواجد نحو مئة أسرة تمتهن صناعة الخناجر بنواحي مدينة قلعة مكونة (جنوب شرقي المغرب)- في حديث للجزيرة نت “ورثنا هذه الصناعة من آبائنا وسنقوم بدورنا بالحفاظ عليها ونعلمها لأولادنا. لدي محل لصناعة الخنجر التقليدي وسط قلعة مكونة، وأخي أيضا لديه محل خاص به”.

وأمام ندرة المصادر التاريخية، تشير الروايات الشفهية لمجموعة من الصناع إلى أن هذه الصناعة تعلمها أهل المنطقة من اليهود الذين كانوا يسكنون المنطقة قديما “بملاح تيليت” بحوض دادس قبل رحيلهم بشكل نهائي إلى فلسطين، وعند رحيل هؤلاء اليهود ظل عدد قليل منهم من الذين تعلموا هذه الحرفة، وقاموا بتعليمها لأبنائهم وحافظوا عليها جيلا بعد جيل.

موروث أصيل

يقول صانع الخناجر محمد الغمري للجزيرة نت “صناعة الخناجر موروث أصيل تركه الأجداد، ويعمل الصناع والحرفيون بالمنطقة على الحفاظ عليه وتطويره حسب متطلبات العصر واحتياجات الزبائن. ورغم بساطة الوسائل التي يعمل بها الصانع بالمنطقة، فقد استطاع أن يقاوم”.

وحسب محمد الغمري، فإن صناعة الخنجر بدأت في دوار “أزلاك” بقلعة مكونة منذ سنة 1965، وأنه عوض مجموعة من الحرف التي اندثرت -أو تقلصت- كالحدادة، وأن شباب هذه المنطقة تعلموا الصناعة من آبائهم وتتطور سنة بعد سنة في إطار منظم.

ويسعى الجيل الحالي إلى الحفاظ على هذا الموروث، عبر تعلمه بشكل تدريجي، حيث يبدأ المتعلم بالمشاهدة، وتعلم توظيف أدوات العمل، ويبدأ بالأمور البسيطة، ثم ينتقل بعد التمكن إلى المراحل الأكثر صعوبة، وذلك ضمن تجمعات عائلية، مما ساعد في ارتفاع عدد الصناع في المنطقة إلى نحو ثلاثمئة صانع.

وتمر صناعة الخنجر بمراحل متعددة، ويبدأ الصانع بمرحلة التصميم على المعدن حسب اللون المختار، ويحدد القياسات التي يريد، ويشكل النقوش باستعمال آلة حادة وفق ذوق الصانع، ثم تمر إلى مرحلة التزيين التي يقوم فيها الصانع بوضع النقوش على القطع، ثم مرحلة الطي، ثم إلصاق القطع المزينة بواسطة مادة اللحام، ثم مرحلة إزالة الشوائب، ثم التركيب، وأخيرا مرحلة التلميع حتى يكتسب الخنجر لونا لامعا، ويكون جاهزا للعرض، ومن ثم البيع.

موهبة وإبداع

يقول الباحث عبد العزيز القبوري “هذه الحرفة تبين براعة الصانع ومهارته، وتشير إلى بعض الخصوصيات الثقافية، وما تحمله في التصميم والنقش والإبداع، التي تبرز الذوق الجمالي في إنجاز الخنجر باعتباره تحفة تظهر المواصفات التي تزخر بها البيئة والمجتمع والعادات والتقاليد في منطقة قلعة مكونة وحوض دادس”.

وطوّر الصناع حرفة الخناجر حسب متطلبات العصر، وظهرت أنواع أخرى بأشكال مختلفة، منها المستقيم والملوي، وباستعمال معادن متنوعة، وصلت إلى أكثر من 12 نوعا، وفي الوقت نفسه يحافظ الصناع على الأنواع التقليدية القديمة نظرا لقيمتها وأصالتها.

ومن أسماء الخناجر الحديثة: حياتي، وحياتي بالقنوت، ومزوق باليباس، وخابوس، وخابوس منقوش، وخابوس ملوي، وخابوس بالجلد، وخابوس مزوق بيباس عظم، وخنجر عظم، وعمارة ونصف، ونص عمارة، وحسبة كبيرة وصغيرة.

ويستعمل الصناع في قلعة مكونة مواد متنوعة حسب طلبات الزبائن، منها الخشب بكل أنواعه، وعظام الأبقار والجمال، وقرون الغزلان ووحيد القرن كمقابض للخنجر، والمعادن بألوانها المختلفة، ويوظفون الحديد والفولاذ، ويركزون حاليا على معدن يسمى “إينوكس” (Inox) نظرا لمقاومته الصدى في المناطق الرطبة.

تحديات في التسويق

يقول رئيس تعاونية أزلاك للخناجر الحسين طوس في حديث للجزيرة نت “التسويق من أصعب التحديات التي تواجه الصناعة التقليدية وصناعة الخناجر بصفة خاصة، والوزارة الوصية على القطاع تبذل جهودا، لكن تظل غير كافية نظرا لوفرة المنتوج على الصعيد الوطني وكثرة التعاونيات”.

ويشير الحسين طوس إلى أن التعاونية تنهج بعض الإستراتيجيات من أجل تسويق هذا المنتج، لأن الصانع إذا لم يبع منتجه فسيضطر إلى التوقف عن التصنيع، ويقول إن التفكير الأساسي في الفترة الحالية هو كيفية استمرار تسويق المنتج.

ويضيف “التعاونية تحاول فتح أبواب أخرى للتسويق، لأن المنتج كثير جدا، ولكي تستمر هذه الصناعة أنشأت التعاونية قاعة للعرض لكافة الزوار داخل المغرب وخارجها”.

وكشف الحسين طوس عن منافذ أخرى للتسويق، منها أن هناك زبائن لهم طلبات خاصة في مدن مغربية أخرى، مثل مراكش والرباط والدار البيضاء، وهناك معارض وطنية تشارك فيها التعاونية، ونبذل جهدا للمشاركة في بعض المعارض الدولية، لما لها من أهمية في الإشهار وتسويق المنتج، إلى جانب الاعتماد على المواقع الإلكترونية؛ لما لها من دور مهم في الوقت الحاضر في الإعلان والبيع عبر الإنترنت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *